تعريف القرآن الكريم:

القرآن في اللغة مصدر بمعنى القراءة، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 17].

وفي الاصطلاح: (هو كلام الله المعجز، المنزل على سيدنا محمد، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته).

 

وقفات مع التعريف:

- كلام الله: فليس ككل كلام، ولا كأي كتاب، وليس كل كلام غيره - مهما عَظُم- بقرآن، ولا يتطرق إليه احتمال الخطأ، بل من غرّة المصحف يطالعك قول الله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2]، لا شك فيه، لا في الثبات، ولا في المعلومة، ولا في النظم، ولا في الصحة، ولا في الدقة العربية واللغوية، ولا في القوة البلاغية والبيانية... منتهى الكمال الذي يمكن للبشر أن يجده في كتاب.

ونحن نؤمن ونعلم العلم اليقيني القاطع بأن هذا القرآن هو كلام الله تعالى المنزل على نبيه صلّى الله عليه وسلم.

 

من جهة أخرى: هو كلام مؤثر في قارئه إذا ما قرأه بنية الاستشفاء والاسترحام: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82]، وبنية الاستهداء والاستبشار: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 9]، وبنية الاستذكار: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45].

 

- المعجز: والإعجاز أعظم خصائص القرآن، فهو معجز بمجمله، معجز بسوره، ومعنى الإعجاز أن الله تعالى تحدى من لا يؤمن بالقرآن أن يأتي بمثله، فقال الله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88]. أو أن يأتوا ببعضه: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود: 13]، ولا بسورة منه: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 23، 24].

 

ومن الإعجاز أيضاً: أن جعل الله تعالى القرآن معجزة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الخالدة، وكان الرسول يُرسل بمعجزة تُعجز ما برع به قومه من الفنون والعلوم فيغلبهم، فجاء موسى عليه السلام لقوم انتشر فيهم السحر بمعجزات دحضت سحرهم، وكذلك أرسل عيسى عليه السلام في قوم تمكنوا من الطب والعلم فجاء بما لم يستطيعوا من إبراء الأمراض المستعصية وإحياء الموتى، وجاء محمد صلى الله عليه وسلم في قوم نبغوا في اللغة والشعر والبيان، فكانت معجزته فوق ما برعوا به وأحسن من كل ما سمعوا به وعرفوه.

 

- المنزل على سيدنا محمد: فلا تسمى الكتب السابقة بهذا الاسم، كصحف إبراهيم وموسى، ولا زبور داود، ولا توراة موسى ولا إنجيل عيسى.

 

- المكتوب في المصاحف: وهذا مما امتاز به القرآن عن غيره من الكتب السماوية، أنه دُوّن وحُفظ بالكتابة منذ عهد النبي صلّى الله عليه وسلم وبإشرافه.

 

وقد حوت دفتا المصحف بينهما كل القرآن، فلا شيء في القرآن ليس من القرآن، ولا شيء ليس في القرآن من القرآن، بل أجمع الصحابة على تجريد المصحف من كل ما ليس قرآناً، فمن ادعى قرآنيةَ شيء ليس في المصاحف فدعواه باطلة كاذبة، وهو من المفترين على الله وعلى رسوله.

 

- المنقول بالتواتر: نقله جمع عظيم غفير لا يمكن تواطؤهم على الكذب ولا وقوعهم في الخطأ، عن جمع مثله وهكذا إلى النبي صلّى الله عليه وسلم.

وهذه ميزة امتاز بها القرآن الكريم عن غيره من الكتب السماوية، فقد جعل الله فيه قابلية عجيبة للحفظ: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}، فحفظ في السطور وفي الصدور، وانتقل نقلاً متواتراً جيلاً عن جيل.

 

وإنك لتعجب مما ترى في أمم العجم من يحفظ القرآن عن ظهر قلب حفظاً متيناً، وتجويداً صحيحاً، وهو مع حفظه هذا قد لا يدري من العربية شيئاً!

وبهاتين الميزتين السابقتين: (النقل بالتواتر، والكتابة في المصاحف) حفظ الله كتابه في الصدور والسطور جميعاً، فلا ثقة لنا بحفظ حافظ حتى يوافق الرسم المجمع عليه من الأصحاب، المنقول إلينا جيلا بعد جيل، على هيئته التي وضع عليها أول مرة، ولا ثقة لنا بكتابة كاتب حتى يوافق ما هو عند الحفّاظ بالإسناد الصحيح المتواتر، وبذلك أنجز وعد الله الذي تكفل بحفظه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ}، ولم يصبه ما أصاب الكتب الماضية من التحريف والتبديل بعد أن وكل الله حفظها إلى الناس فقال تعالى: {وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ}، أي بما طلب إليهم حفظه، وذلك لحكمة أرادها الله، فسائر الكتب السماوية جيء بها على التوقيت لا التأبيد، أما القرآن فقضى الله أن يبقى حجة إلى قيام الساعة.

 

- المتعبد بتلاوته: فمجرد تلاوة القرآن عبادة يثاب عليها المؤمن، وفي الحديث: «من قرأ حرفاَ من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: {الم} حرف، ولكن "ألفٌ" حرف، و"لام" حرف، و"ميم" حرف». [أخرجه الترمذي].

 

وهنا وقفة مهمة: هل "الكمّ" في قراءة القرآن هو الهدف، أو "النوع"؟

قال ابن القيم في زاد المعاد (1/ 327): (وقد اختلف الناس في الأفضل من الترتيل وقلة القراءة، أو السرعة مع كثرة القراءة: أيهما أفضل؟ على قولين: فذهب ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما إلى أن الترتيل والتدبر مع قلة القراءة أفضل من سرعة القراءة مع كثرتها، وقال أصحاب الشافعي رحمه الله: كثرة القراءة أفضل.

والصواب في المسألة أن يقال: إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدراً، وثواب كثرة القراءة أكثر عددا، فالأول: كمن تصدق بجوهرة عظيمة، أو أعتق عبدا قيمته نفيسة جدا، والثاني: كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم، أو أعتق عددا من العبيد قيمتهم رخيصة).

وبناء على ما تقدم: لعل المعيار في تلاوة القرآن أمران:

١. جودة التلاوة: وذلك بقدر الوسع.

٢. التماس الأثر: على النفس والفكر والعمل.

أما "الكَمّ" فلا ميزة له مع انعدام هاتين النقطتين، بل الالتفات إلى تحديد زمن معين للتلاوة مع الجودة والأثر أولى وأسلم من التزام الكمّ دونهما. والله أعلم.