عنوان المحاضرة: (آليات التفوق في الامتحان)، وفي العنوان كلمتان مهمتان: (التفوق، الامتحان)، والحديث سيكون عن التفوق لا النجاح، وعن التفوق في الامتحان لا التفوق في الحياة العملية.

 

مقدمة:

السيد العادي: وُلِدَ "السَّيد العادي" سنة 1901م، وكانت درجاته الدراسية دون المتوسط، وتزوج الآنسة "وسيطة" في سنة 1924م، ورُزِق بطفلٍ سماه "العادي الأصغر"، وابنة سماها "العادية"، قضى أربعين سنة أو أكثر في خدمةٍ لا شأن لها، وشَغَلَ عدداً من المراكز التافهة، تعمَّد أن لا يطوّر مواهبه، وأن لا يشترك مع أحدٍ في عملٍ ذي قيمة، وكان همّه الأكبر أن يؤمّن طعامه وكساءه وأسباب رفاهيته ورفاهية أولاده، وشعاره المفضّل: (لا دَخْل لي في هذا) (ابعد عن الشر وغنّي له).

عاش ستين سنة بدون هدف ولا خطة، ولا رغباتٍ نبيلةٍ، ولا ثقة ولا عزم ولا تصميم، عندما مات دفنوه في قبره، وراحوا يسوون تراب القبر بنعالهم، وكتبوا على القبر: هنا يرقد السيد العادي، ولد سنة 1901م، ودفن في هذه الحفرة، لم تكن له أهداف، ولم يترك مشروعاً أو أثراً نبيلاً بعده، طلب من الحياة ما تطلبه سائر المخلوقات الدنيا، فدَفَعَت الحياة ثمنَه ثمَّ لفَظَته هنا، ووطِئه الرجال بنعالهم.

ترى: هل يحدِّث أحدنا نفسه قائلاً: كأنني أشبه السيد العادي!!

 

لماذا هذه المحاضرة:

1. لأنك الآن على  مفترق مهم في حياتك:

كيف صار المهندس مهندساً، والطبيب طبيباً، ومعلم معلماً... جهد هذا العام هو الذي أنزله المرتبة التي تليق بجهده المبذول!

لذلك فأنتم الآن على مفترق طرق هام في حياتكم، ولا أريد أن أكون واحداً من أولئك المحيطين بكم في البيت والمدرسة، فقد سئمت آذانكم سماع توصياتهم، لكني أقول لكم: إذا كنتم حددتم أهدافكم فهذا أوان الانطلاق..

كان أبو إسحاق السبيعي -وهو من كبار التابعين- يقول: (يا معشر الشباب اغتنموا قوتكم وشبابكم ، قلّما مرت بي ليلةٌ إلا وأنا أقرأ فيها ألف آية، وإني لأقرأ البقرة في ركعة، وإني لأصوم الأشهر الحرم وثلاثة أيام من كل شهر، والاثنين والخميس). [سير أعلام النبلاء].

 

2. لأنك ستُسأل عن تفوقك في هذا العام طيلة عمرك

لأن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وأنت الآن في أوج قوتك: كان ابن مسعود رضي الله عنه إذا رأى الشباب يطلبون العلم قال: (مرحباً بكم ينابيع الحكمة، ومصابيح الظلمة، خُلقَان الثياب، جدد القلوب، جلس البيوت، ريحان كل قبيلة) [شعب الإيمان]

 

3. لأن عمرك هو أفضل عمر لتضع أهدافك بوضوح، وتفوقك في هذا العام هو الركيزة والقاعدة التي ستبني عليها مستقبلاً.

ما هدفك أخي في الحياة..؟ وما خطتك؟ تريد الطعام والشراب والزوجة والبيت..

أقول لك؟ القطط تملك طعاماً وشراباً وزوجة وبيتاً... أتطلب من الحياة ما تطلبه القطط؟!

أنت أكبر من ذلك، أنت الذي أفرد الله تعالى في القرآن الكريم سورة كاملة لذكر أمثالك من الشباب المؤمنين -وهي سورة الكهف-، شبان من أبناء أشراف الروم ومُنْعَمِيْهم، هجروا عبادة الأصنام التي ابتلي بها قومُهم، وتركوا الموبقات التي ماج بها مجتمعهم، فأُرِيْدَ بهم السوء، ففَرُّوا بدينهم وهربوا إلى ربهم لا يلتفتون إلى شهوات الدنيا ولذائذها، ولا يخافون لومة لائم، فكان أن ثبتهم الله تعالى وجعلهم آية للعالمين.

وأنزل الله سورة أخرى ذكر فيها قصة شاب عفيف، أصيب بأنواع المصائب: (حسد - رق - سجن - ظلم - مغريات - كيد...) ثم بعدها فتح الله له آفاق السعة والملك، وأعزه بعد نجاح مشرف، استحق به أن تكون قصته آيات تتلى آناء الليل وأطراف النهار.. إنه سيدنا يوسف، أمير الشباب.

كذلك أنزل الله سورة باسم فتاةٍ مؤمنة، نزل بها الضيق حتى قالت: {يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا}، ثم بعد ذلك جعلها الله سيدة نساء الجنة، وهي المرأة الوحيدة التي ذكرها في القرآن الكريم بصريح اسمها، وأنزل عليها الملائكة، واصطفاها على نساء العالمين. إنها السيدة مريم.

ولم يقتصر الأمر على نزول السور المسماة بالشباب، والتي تتناول قصصهم، بل لما بعث الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم حفَّه بالشباب أمثالكم، تعالوا معي يا شباب ننظر في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الأوائل، لا تجدوا فيهم إلا بضعةَ أشخاص ممن كانوا أكبر سناً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والباقون كلهم كانوا أصغر منه سناً كما قال أبو الأعلى المودودي.

وأنتِ الآن شابة، وأنت الآن شاب، فضع هدفاً تسعى إليه، فإذا عظمت الغاية هان في سبيلها التعب.

 

4. لأن التفوق مادة ممكنة ميسورة، غير أنها تحتاج لرجال.

وأكبر دليل على الإمكان الوقوعُ ـ كما يقول أهل المنطق ـ والدليل على إمكان التفوق وتيسّره أن بعض زملائنا يتفوقون، ولو كان التفوق مستحيلاً معسّراً لما تفوق منا أحد!!

 

آليات التفوق:

وبإمكانك أن تتفوق في الامتحان بأمور أربعة:

  1.  إرادة التفوق.

  2. حفظ المعلومات.

  3.  استرجاع المعلومة في قاعة الامتحان.

  4.  كتابة المعلومة كاملة صحيحة على ورقة الإجابة.

 

أولاً: إرادة التفوق:

الإرادة هي نصف طريقك نحو التفوق.

-      ويقول ابن قيم الجوزية: (لو أن رجلاً وقف أمام جبل وعزم أن يزيله لأزاله).

-      ويقول سيدنا علي رضي الله عنه: (ما رام امرؤ شيئاً إلا وصل إليه، أو دونه).

وفي دراسة أجرتها إحدى الدوريات عن العباقرة والمبدعين والقادة، درست نقاط الاتفاق بينهم فوجدت أن هؤلاء العباقرة والمبدعين والقادة قبل وصولهم إلى ما وصلوا إليه كانوا يفكرون في الوصول ويريدونه، فإرادة التفوق هي أول عامل من عوامل تفوقك في الامتحان، فمن أراد التفوق فكّرَ به وأراده وخطّط للوصول إليه ومن لم يرده فلن يصل:

ومن يتهيّب صعود الجبال

 

يعش أبدَ الدّهر بين الحفر

 

ومن علامات المتفوق أنه يهتم للمعالي، فتراه يعد علاماته من فوق (100 - 5 = 95)، وغيره يعدها من تحت (55 علامة ضمن النجاح).

 

وهذه نماذج عن الإرادة الصلبة التي أوصلت أصحابها إلى ما أهدافهم:

- عطاء بن أبي رباح: أحد أكابر علماء المسلمين، من سادات التابعين فقهاً وعلماً وورعاً وفضلاً وإتقاناً، كان ثقة فقيهاً عالماً كثير الحديث، (ت 115 هـ)، وكان من أحسن الناس صلاة، وحج زيادة على سبعين حجة، وكان إذا حج أذن المؤذن: لا يفتي للناس إلا عطاء، قال ابن سعد: (كان أعور، أسود، أعرَج، أفطَس، أشَلّ، قُطِعَت يدُه مع ابن الزُّبَيْر، ثمَّ عَمي، أدرَك مائتي صحابيّ، لم يَكن له فراش إلا المسجد الحرام حتى مات) [تهذيب التهذيب]

 

- الأحنف بن قيس: كان قصير القامة، أسمَرَ اللون، مائل الذقن غائر العينين ناتئ الوجنتيّن، أحنفَ الرجل، ليس شيءٌ من قبح المنظر إلا وهو آخذٌ منه بنصيب، وكان مع ذلك سيِّدَ قومه، إذا غضِبَ غضِبَ لغضّبته مائة ألف سيفٍ، لا يسألونه فيم غضب، وكان إذا عَلِمَ أنَّ الماء يفسِدَ مروءته ما شربه.

 

- الإمام الشافعي -محمد بن إدريس-: ولد وأبوه ميت، فنشأ في حجر أمه، وكانت أسرته فقيرة، لكنه مع صغَره وفقره كان ذا إرادة عالية، وأراد أن يتعلم العلم لكن لا مال له، فأرسلته الأم إلى المعلم، وبيّنت للمعلم حالهم وفقرهم، فكأنّ المعلّم زهِد فيه، فانتبه الصبي لزُهد المعلم فيه، فكان كلما انتهى المعلم من درس جلس الغلام مع الأولاد يعيد عليهم الدرس؛ لأنه كان ذا حافظة قوية، فلفَت ذلك المعلم، فسأله عن ذلك، فقال الشافعي: إنك إذا خرجتَ أعدتُ عليهم الدرس حتى يستعدوا لمذاكرته أمامك، فسُرَّ بذلك المعلم، ثم قال الشافعي: ما رأيك أن أكفيك الأولاد وتكفيني نفسي؟!

 

ومن المعاصرين:

- خلدون سنجاب: شاب دمشقي، أصيب بشلل رباعي، ثم أصيب باعتلالات شديدة في جهازه البولي، حتى احتاج إلى قسطرة، ثم صار عنده مضاعفات شديدة في جهاز الإطراح حتى صار لا يضبط نفسه في هذا الأمر، ثم أصيب عنده مركز النطق، فلم يعد يتكلم، لكن عقله ما زال يحلق في الفضاء، وهِمّته تعلوا في السماء، فلذلك قرر أن يفعل شيئاً يخدم به بلده وأمته ودينه، وقرر أن يكون رجلاً كما الرجال، وهو الآن مبرمج كمبيوتر محترف، يعود إليه أكابر المهندسين، وقد صُنِع له جهاز كمبيوتر يستطيع أن يحركه بلسانه وهو مستلقٍ على سريره، والشاشة فوق رأسه، ويحرك الماوس بلسانه، ولم يستسلم لأنه يريد أن يكون رجلاً ذا شأن .

 

أحمد الكردي: وهو أحد أصدقائي، يدرس في كليتين (شرعية خاصة وكونية عامة)، ويعمل في مقسم تابع لمشفى خاص، ومتزوج، وعنده ولد، وهو حافظ للقرآن الكريم، وله حلقة يعلمها القرآن الكريم كل أسبوع مرتين، وهو أستاذ معتمد في دورات القرآن، وفوق كل ذلك: هو أعمى لم يبلغ السابعة والعشرين بعد..

هذه نماذج عن علو الهمة وصدق الإرادة، وهي أول خطوة تلزم المتفوق.

 

ومن علامات الإرادة القوية حسن استغلال الوقت:

الوقت أثمن ما يملكه الإنسان، فهو مادة الحياة التي سخرها الله تعالى له ليختبره فيها، وهو وسيلة المؤمن في تحصيل الخيرات والإكثار من الطاعات، يستعين به على إرضاء الله تعالى بأداء الفرائض والنوافل والقربات، والصبر عن المحرمات والابتعاد عن المكروهات.

والمسلم مطالب باغتنام الوقت واستثماره، في العلم والعمل، والتعلم والعبادة، وقد أقسم الله تعالى بالوقت في مواضع عديدة من القرآن الكريم، منها سورة العصر: { وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } [العصر:1-3]

ولا شك أن أهمية الوقت تزداد حين يكون للإنسان غايات يطمح إليها أو فرص يجب عليه أن يستثمرها!

 

وتذكر أن الفرق بين الطالب المتفوق وغير المتفوق هو صبر ساعة على الدراسة، فلا تزهد بساعة يمكنك أن تقدمها لتفوقك، لعلها تكون هي كلمة السر في التفوق.

وعليك أيها الأخ الكريم أن تشمر عن ساعد الجد والاجتهاد، فتطرح كل ما لا فائدة منه، أو ما يمكن تأجيله إلى قادم الأيام، وتبذل كل ما تملك من وقت وجهد وقدرات في سبيل تحصيل أعلى المراتب العلمية والمعرفية والمهنية.

 

واجعل نيتك في ذلك طلب العلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لِلْعَالِمِ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يَرِثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرِثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ».

فاحذر من إضاعة الوقت في مالا فائدة منه، وضع برنامجا زمنيا للدراسة، وحاسب نفسك عليه، وليكن واقعيا غير مبالغ فيه.

 

ثانياً: حفظ المعلومات:

ولأجل ذلك يجب اتباع قواعد الحفظ العامة وهي:

 - وجّه اهتمامك جيداً إلى الشيء الذي تريد حفظه واعقد النية على حفظه، وتوقَّع من ورائه الفائدة واعلم أن عادة الإنسان أنه لا يستبقي في ذاكرته إلا ما يهمه. قال الغزالي: (العلم إن لم تعطه كلك لم يعطك بعضه).

 

- وجّه حواسك إلى الشيء الذي تريد حفظه: تأمل شكله وملامحه وأجزاءه وحركاته واسمع صوته وتحسس رائحته وطعمه وانتبه إلى اسمه، وتبين كل ما يتصل به من الأمور التي تمييزه عن غيره. يقول المربون (تصبح الصور الذهنية أكثر سهولة للتذكر عندما تقترن بالصور السمعية والبصرية معاً).

 

- حاول أن تستعيد في ذهنك بين وقت وآخر صورَ الأشياء التي تحفظها والأفكار التي تريد تثبيتها في ذاكرتك.

 

- حاول أن تربط كل جديد تحفظه بمعلوماتك السابقة أو بالأشياء والأفكار والحوادث التي تشبهه أو تعاكسه أو تقترن به أو تواكبه أو تتصل به اتصالاً وثيقاً.

يقول الفليسوف (وليم جيمس): (كلما ارتبطت الحقائق في الذهن بعضها ببعض كلما استطاع العقل أن يسيطر عليها وأن يذكرها متى شاء).

 

-  استعن بالنغم والإيقاع في أثناء الحفظ [ومثالها: منظومات العلوم].

 

كلامنا لفظٌ مفيدٌ كاستقمْ

 

واسمٌ وفعلٌ ثمَّ حرفٌ الكلم

 

- وَزِّع ما تريد حفظه على عدة أيام أو عدة حصص أو جلسات، واجعل لدراستك برنامجاً ونظاماً تحدد فيه ساعات دراستك وساعات راحتك واستحمامك وطعامك ونومك وزيارتك... وتجنّب القراءة الضاغطة العاجلة التي لا تتيح لدماغك تفهم الأمور.

- لا بدّ بعد الحفظ من الراحة أو النوم كي يتسنى للدماغ أن يهضم الأفكار ويتمثلها وأن يربط الجديد منها بالقديم. يقول المربون: (يقل النسيان كثيراً في أثناء النوم إذا أعقب الحفظ، وبعد فترات الراحة أوالنوم).

- ابدأ الحفظ بالطريقة الكلية المجملة ثم انتقل بعدها إلى التفصيل.

- عندما تنتهي من دراسة فقرة أو بحث أو موضوع يفضل أن تدِّون أهم الأفكار والنقاط فيه لكي يتسنى لك العودة إليها حينما تريد مراجعة البحث قبيل الامتحان.

- اطلب من الله أن يرزقك قوة الذاكرة، وأن يعيد لك ما قرأته عند الحاجة: يقول ابن تيمية رحمه الله:  (ربما طالعت على الآية الواحدة مائة تفسير ثم أسأل الله الفهم، وأقول: (يا معلم آدم وإبراهيم علّمني، وكنتُ أذهب إلى المساجد المهجورة ونحوِها وأمرّغ وجهي في التراب وأسأل الله وأقول: يا معلم إبراهيم فهمني).

 

أهم الأمور التي تؤثر سلباً في عملية الحفظ والإدراك:

1-  إشغال الذهن بأكثر من موضوع واحد. [دراسة + تلفاز / دراسة في المزارع والبساتين].

قال الخطيب البغدادي: (أجود أوقات الحفظ: الأسحار، ثم نصف النهار، ثم الغداة، وحفظ الليل أنفع من حفظ النهار، ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع، وأجود أماكن الحفظ الغرف، وكل موضع بعُد عن الملهيات، وليس بمحمود الحفظ بحضرة النبات والخضرة والأنهار وقوارع الطرق؛ لأنها تمنع غالباً خلو القلب) [ المجموع شرح المهذب [1/ 30]، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي [2/ 208]

2- عدم وجود الرغبة في الموضوع أو الدرس أو قلة الاهتمام به [ابدأ الدراسة بالمادة السهلة أو المحببة..] .

3-  القلق العصبي والإرهاق الفكري. [الساعة البيولوجية].

 

- تمرين: اختبر طريقتك في القراءة والحفظ -

 

ثالثاً: استرجاع المعلومة في قاعة الامتحان:

إن استرجاع المعلومة في قاعة الامتحان يتطلب منا طريقة حفظ جيدة، لأن التذكر الجيد مرهون بالحفظ الجيد، وهذا ما تكلمنا عنه في النقطة السابقة، ثم بعد ذلك لا بد من ذاكرة جيدة.

الأمور التي تؤثر سلباً على الذاكرة:

  1.  تناول المخدرات والمسكرات والإفراط في التدخين والعادة السرية.

  2.  السهر الطويل والإجهاد المتواصل وقلة النوم والراحة.

  3.  الإفراط في تناول بعض الأدوية لا سيما المنعشات النفسية والمنشطات والمنبهات.. [حبوب، فيتامين، منبهات، منشطات].

  4.  بعض الأمراض البدنية كالسل والسرطان.. وأمراض الغدد الصماء ولا سيما الغدة الدرقية، وعسر الهضم والإمساك المزمن وسوء التغذية والأمراض الطفيلية، وبعض الأمراض العصبية والنفسية والتأخرات العقلية الخلقية والمكتسبة.

 

ولكن على هامش ذلك أريد أن أقول: ثقوا بأنفسكم، علينا أن نضع في بالنا أننا كبار جداً، أننا أكبر مما نتصور، ما حولنا يريد أن يقول لنا: نحن صغار، يقول لنا: نحن مستوانا أن نقرأ خمس مئة أو مئة أو خمسين صحيفة. كلا، نحن أكبر مما نتصور، وفي التاريخ نماذج استطاعت الحفظ بجهد وكدٍّ وصبر، ولم يكن ذلك ملكة فيهم.

سأقول لكم سراً لا تخبروه لأساتذتكم: هؤلاء يضحكون عليكم بهذه المناهج.. أنتم أكبر منها.. وتستطيعون دراسة أضعافها لو شئتم، لكن من وضع المناهج وضعها مراعاة لسير الضعفاء، أما أنتم فأقوياء، مثلكم كمثل أسلافكم الذين تقرؤون عنهم مثلاً:

- المحدث الكبير عباس بن الوليد الفارسي كتب في آخر بعض كتبه: "درسته ألف مرة"

- ابن التَّبَّان (ت 371هـ) درس المدَوَّنة نحو الألف مرة.

- وقال محمد بن عبد الله صالح التميمي الفقيه المحدث المالكي: (قرأت مختصر ابن عبد الحكم خمسمائة مرة، والأسدية خمساً وسبعين مرة، والموطأ خمساً وأربعين مرة، ومختصر البرقي سبعين مرة، والمبسوط ثلاثين مرة).

- وقرأ الحافظ الحسن السمرنقدي صحيح مسلم نيفاً وثلاثين مرة، وقرأ الفيروز أبادي صحيح البخاري أزيد من خمسين مرة، على حين أن المحدث أبا بكر الأندلسي قرأ البخاري سبع مئة مرة.

 

هذا في القراءة… أما في الكتابة…

- فقد كتب الحافظ الدمشقي ابن عساكر كتابه (تاريخ دمشق) وهو في ثمانين مجلداً بيده، وكذا كتب سائر كتبه التي جاوزت الخمسين، وجاء الشيخ ابن عبد الدائم المقدسي بعده فكتب (تاريخ دمشق) ذا الثمانين مجلدا ًمرتين، وكتب (المغني) لشيخه الموفق ابن قدامه المقدسي وهن عشر مجلدات كبار عدداً من المراتٍ،.

- يقول الإمام أحمد بن حنبل: أحفظ ألف ألف حديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم

- وكان يحيى بن معين يقول: كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فما رأيكم يا سادة لو أنهم اقتصروا على مناهجكم؟! لو أنهم فعلوا لما ذكرت أسماؤهم في محافل الكرام أمثالكم!

نعم، العلم إن لم تعطه كلك لم يعطك بعضه.

 

رابعاً: كتابة المعلومات كاملة وصحيحة على ورقة الإجابة.

ولديَّ ضمن هذا العامل في التفوق في الامتحان ثلاث نقاط أحب تقديمها إليكم: الأولى فهم السؤال قبل الإجابة عليه، والثانية مراعاة الوقت، والثالثة الخط الجيد.

 

- النقطة الأولى: فهم السؤال قبل الإجابة عليه:

فعددٌ من الطلاب يتسرعون في الإجابة على السؤال في قاعة الامتحان قبل فهمه جيداً، ولعلهم يجيبون على غير المطلوب منهم مما يُبْعِدُهُم عن التفوق، وعدد من المتفوقين يتفوقون لدقائق أخذوها إضافية لفهم السؤال

في كتب التربية والتدريب قصة هادفة عنوانها (هل ضيّعت النقطة الجوهرية)، وفي القصة كلمة لا تليق بمنبر جامعي ولكن لا بأس بإيراد القصة لفائدتها:

كان هناك رجلُ يسمى (رول حمار) ـ هذه الكلمة عفواً لا تليق ـ، التمست منه زوجته ولسنوات أن يغيّر اسمه لكنه رفض، وفي أحد الأيام أعلن أنه غيَّر اسمه، ففرحت زوجته واحتفلت بذلك طوال الليل وهي سعيدة وفي الصباح سألته: ما اسمك الجديد يارول، فردّ عليها (ديفيد حمار).

إذاً لا تضيع النقطة الجوهرية في السؤال، لا بد من فهم السؤال جيداً ثم الإجابة عليه.

 

بالمناسبة: لعلك هذا الفيديو سابقاً

 

- النقطة الثانية: مراعاة الوقت في قاعة الامتحان:

فالطالب الذي يبحث عن التفوق يوزِّع الوقت المخصص للإجابة في قاعة الامتحان على الأسئلة المطلوبة كافة، أما أن يسترسل الطالب في الإجابة على السؤال الأول ويُطنب، حتى يضيق وقته عن الإجابة على الأسئلة الأخيرة فهذا مَضْيَعَةٌ للتفوق في الامتحان.

 

- النقطة الثالثة: الخط الجيد:

لا أبوح سرّاً إن قلت: إنَّ الأستاذ المصحح يتأثر بترتيب الورقة الامتحانية، وبالخط الجيد للطالب، وَلْيَتَذكرَّ الطالب أن المدرس لا يصحّح ورقته وحسب ولكنه يُصحّح مئات الأوراق، ولعله يتعب من الخط الرديء أو الخط الصغير أو الترتيب السيئ لبعض الأوراق، الأمر الذي يؤثر على نتائج الامتحان. وأذكرُ أن طالباً استشارني يوماً في علاماته المتدنيّة في الامتحان وربما رسوبه في بعض المواد رغم إجاباته الصحيحة، وكان علاج مشكلته في علاج خطه الصغير السيئ، فخضع لدورةٍ في تعليم الخط، أثّرت فيما بعد في تَحَسُّنِ علاماته الامتحانية.

 

أيها الأخوة الطلاب:

هذا ما أردت إيصاله إليكم في هذه المحاضرة (كيف تتفوق في الامتحان)، أخبرتكم عن عوامل التفوق الثلاثة:

1- إرادة التفوق

2- استرجاع المعلومة في قاعة الامتحان: وفيها تحدثت عن العوامل التي تؤثر سلباً في الذاكرة، والعوامل التي تؤثر سلباً في عملية الحفظ، وأجريت لكم اختباراً لطريقة الدراسة والحفظ.

3- كتابة المعلومة كاملة صحيحة على ورقة الإجابة: وفيها تحدثت عن النقاط الثلاث: فهم السؤال ومراعاة الوقت والخط الجيد.

 

ختاماً..

1- تذكر أن الصبر هو طريقك إلى النجاح.

قال الإمام يحيى بن أبي كثير: (لا يُستطاع العلم براحة الجسد). إما أن يرتاح جسدك وإما أن تُحصِّل العلم.

روى الحاكم في المستدرك على الصحيحين عن عكرمة قال: قال ابن عباس: ( لما قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شاب، قُلتُ لشاب من الأنصار: هلُّمَ فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنتعلم منهم، فإنهم اليوم كُثر، فقال يا عجباً لك يا ابن عباس؟ أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم؟ قال: فترك ذاك وأقبلتُ أنا على المسألة وتَتَبُعِ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كنت لآتي الرجلَ في الحديث يبلغني أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجده قائلاً -أي نائماً منتصف النهار-، فأتوسدُ ردائي على بابه تسفي الريح على وجهي التراب حتى يخرج، فإذا خرج قال: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جاء بك؟ هلا أرسلت إلي فأتيتك؟ فأقول: لا، أنا أحق أن أتيك، بلغني حديث عنك أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحببت أن أسمعه منك.

فكان الرجل يراني بعد ذلك وقد ذهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمع حولي الناس يسألونني، فيقول:هذا الفتى أعقل مني).

وقال رجل لإبراهيم الحربي ـ وهو من رجالات الحديث واللغة من وفيات 285 هـ إمام عالم زاهد فقيه محدث أديب لغويـ وكان إبراهيم الحربي قد جمع اثني عشر ألف جزء لغة كتبها بيده، قال له: كيف قويت على جمع هذه الكتب؟ فغضب إبراهيم الحربي وقال: قويت عليها بلحمي ودمي، بلحمي ودمي، بلحمي ودمي.

فإن كنت تمل من القراءة، فتذكر أن كلنا -بني البشر- هكذا، حتى إن سيدنا موسى عليه السلام قال للخضر: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66] ماذا قال له الخضر؟ {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: 67] فالعلم يحتاج للصبر.

لا تحسب المجد تمراً أنت آكله

 

لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

 

وذكر الإمام اللغوي أحمد بن فارس صاحب معجم مقاييس اللغة:

إذا كان يؤذيك حَرُّ المصيف
ويلهيك حسن جمال الربيع
 

 

ويُبْسُ الخريفِ وبردُ الشتا 
فأخذك للعلم قلْ لي متى ؟
 

 

2- انتبه إلى الساعة البيولوجية عندك

3- احذر إدمان وسائل الاتصال الحديثة

4- استحضر النية في طلب العلم.

5- الشهادة التي تنالها من مدرستك أو جامعتك ما هي إلا مفتاحُ العلم، وليست العلم.

وبعدها تبدأ رحلتك في طلب العلم، في القراءة، في التهام الكتب، فنحن أمة علم، وأن أول كلمة نزلت في القرآن الكريم (اقرأ).

 

يذكرون -على سبيل المثال- أن الدولة الأموية أَنشأت في قرطبة في الأندلس سبعين مكتبة عامَّة فضلاً عن المكتبات الخاصة، هذه المكتبات السبعون فيها مكتبة واحدة هي المكتبة المركزية في قرطبة كان فيها في القرن الرابع الهجري أربع مئة ألف مجلدة ـ قريب نصف مليون ـ، وبعض المستشرقين عدُّوها ست مئة ألف، يعني وسطياً خمس مئة ألف ـ نصف مليون ـ .

نصف مليون مجلدة في القرن الرابع الهجري في مكتبة واحدة من مكتبات المسلمين في قرطبة، على حين أن ملك فرنسا في القرن الثامن الهجري ـ يعني بعد أربعة قرون ـ لم يستطع أن يجمع في مكتبة فرنسا الرئيسة أكثر من تسع مئة مجلد، وهذا يشير إلى عظم المكتبة الإسلامية.

قد يهمك أيضاً: (على طريق البكالوريا)

أرجو أن أكون وُفِّقتُ في عرض أفكار هذه المحاضرة، ومع تمنياتي لكم بالتفوق في الامتحان وفي سائر أمور دنياكم وآخرتكم

ملاحظة: (هذه المحاضرة مستفادة من محاضرة د.محمد خير الشعال "كيف تتفوق في الامتحان").

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته