الاكتئاب مرض يصيب ملايين البشر، وذلك بفرص متساوية، والغريب أن الأذكياء والطيبين هم الأكثر عرضة لهذا المرض خاصة، وللاضطرابات النفسية عامة -وهذا ما لم يجد علماء النفس له مبرراً لمئات السنين-، وتشير الدراسات أن 10% من المراهقين يعانون الاكتئاب، و2% من الأطفال، وهو في النساء أكثر من الرجال.

 

والاكتئاب مرحلة من مراحل الصدمة النفسية، إذ تدور الصدمة النفسية في ست محاور:

 

- المحور الأول: تبلد المشاعر: مع تلقي الحدث يكون التفاعل معه منعدماً، وقد يكون ذلك للحظات، وقد يمتد إلى دقائق، وربما لساعات أو أيام.

 

- المحور الثاني: الصدمة: يدرك الإنسان حجم الكارثة، يستغرب، يغضب...

 

- المحور الثالث: الإنكار: ومثاله الأم حين تحتفظ بثياب ولدها المتوفى، ومثاله أيضاً إنكار سيدنا عمر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنكار فاطمة ابنته على أصحابه أن يحثو التراب على وجهه الشريف...

 

- المحور الرابع: الاحتجاج: وهنا يبدأ الإنسان ينتقد: لماذا أنا بالذات، ما الذي فعلته يستوجب فعل هذا معي...؟!

 

- المحور الخامس: الكآبة: هذه المرحلة مبشرة من جانب أنها آخر خطوة قبل الخروج من المشكلة، لكن الكارثة أن يقبع فيها الإنسان أكثر من الوقت المفترض فتغدو اكتئاباً مرضياً (وهو الذي نتحدث عنه)

 

- المحور السادس: القبول للواقع: ومحاولة النسيان وتجاوز العقبة، والعودة إلى الانخراط في الحياة.

 

هذا، وتتعدد أسباب الاكتئاب وتتغير بتغير نوعه، فالاكتئاب أنواع، منه الاكتئاب الروحي، وسببه ضعف المادة الروحية، نتيجة سوء العلاقة مع الله تعالى، وفيه لا تظهر الأعراض الطبيعية للاكتئاب، ولا تنفع معه العلاجات الكيميائية ولا الأدوية النفسية، إنما يحتاج لدعم المادة الروحية وإعادة النظر في العلاقة مع السماء، وإقصاء ما يحول بين العبد وربه من المحرمات والمخالفات.

 

وهناك الاكتئاب المجتمعي -أو الاجتماعي-، وهو الاكتئاب الذي تعانيه الشعوب الراضخة للاستبداد، يصيبها ذلك عندما تفشل بتحقيق مراداتها وتحصيل حقوقها، وعلاجه تحرك المسؤولين في ذلك البلد -وإن كانوا غالباً لا يهتمون لهذا الهراء-.

 

وثالثها: الاكتئاب النفسي، وله عدة أسباب، منها: فقدان شخص نحبه، أو الإصابة بالمرض العضوي، أو فقدان العمل، أو فرصة كانت الآمال مبنية عليها، أو جملة من المشكلات الحياتية: (المالية والعائلية والعملية ...)، وأحياناً يكون السبب عند النساء هو الولادة: ويسمى: (اكتئاب ما بعد الولادة)، وهناك اكتئاب آخر اسمه: (الاكتئاب الموسمي)، وهو الذي يعانيه الإنسان في موسم ما، وغالبه يكون مع نهاية الشتاء وبزوغ الصيف.

 

 

هل أنت مصاب بالاكتئاب؟

 

 

يمكنك معرفة ذلك من خلال النظر في أعراض الاكتئاب، وهي:

 

1- الشعور بالفراغ، وببطء سير عجلة الحياة.

 

2- الحزن المفاجئ، والانطواء على الذات دون سبب أو مناسبة

 

3- الشعور بالوهن والضعف والكبر والإجهاد والإنهاك، الذي يمنع من القيام بأي عمل أو الذهاب لأي مكان، والعجز عن تغيير الحال.

 

4- اضطراب النوم، بحيث يصير كثيراً ومستمراً لساعات طويلة، أو الأرق الدائم، والاستيقاظ بسبب أفكار سلبية متكررة.

 

5- عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية أو المظهر العام.

 

6- التوقف عن الأنشطة التي كانت عادة تجلب السعادة، ومراقبة السعداء بعين الاكتئاب.

 

7- فقدان الشهية أو زيادة الأكل، مما يؤدي إلى نقص حاد أو زيادة واضحة في الوزن.

 

8- ضعف الذاكرة، وعدم القدرة على التركيز، واتخاذ قرارات مسببة للمشكلات.

 

9- ضعف الثقة بالنفس، وملاحظة ذلك في اللقاءات والمناسبات والاجتماعات.

 

10- سرعة الغضب، وحدة الطبع، والشعور المبالغ فيه بالذنب.

 

11- ضعف العلاقة مع العائلة، وعدم ميل المتزوجين الكئيبين للعلاقة الخاصة بينهما.

 

12- بذل طاقة في إخفاء الحالة النفسية عن الآخرين.

 

13- ضياع البوصلة الشخصية، وفقدان القيمة أو الشعور بالهدف.

 

14- الشعور بالعزلة عن الأشخاص والأشياء المحيطين.

 

15- التفكير في الموت أو الانتحار.

 

شاهد هذا الفيديو الذي يلخص حالة المصابين بالاكتئاب:

 

 

طبعاً: هذه الأعراض الاكتئابية يمر بها كل شخص منا بشكل عادي من وقت لآخر، لكن إن استمرت بشكل يومي ولأكثر من أسبوعين معطلة حياتك، فربما عليك أن تقوم بزيارة الطبيب للتأكد من صحتك النفسية..

 

لكن قبل ذلك عليك أن تجرب هذه الخطوات العلاجية التي قد تغنيك عن زيارة الطبيب.

 

1- احذر من الجزع الزائد عن اللزوم من الاكتئاب، فهو حالة مرضية تصيب كثيراً من البشر ويمكن تجاوزها ببعض الخطوات.

 

2- لا تعوِّل بشكل كامل على الأدوية والعقاقير الطبية أو العشبية، فانفراد الدواء لا يكون فعالاً عادة.

 

3- خصص وقتاً لممارسة الرياضة بانتظام، فهي قادرة على القضاء تماماً على الاكتئاب في مراحله الأولى أو المتوسطة.

 

4- حاول أن تطلب المساعدة، فإظهار المشاعر بصدق وشفافية لمن حولك ممن يحبك يساعد جداً في التنفيس عن الذات.

 

5- كلما وجدت ضغط الاكتئاب انخفض حاول التلاعب على النفس وخداعها لسوقها إلى نشاطات تبعدها عن الاكتئاب، ويعينك على ذلك أن تربي -مثلاً- حيواناً أليفاً كقطة أو عصفور أو سمك...

 

6- حاول أن تجلس وحدك، وتغمض عينيك، وتريح عقلك وفكرك، فكلما كنت متعباً أكثر استولى عليك الاكتئاب بشكل أكبر.

 

7- حاول أن لا تجلس في الأماكن التي يكون فيها الضوء خافتاً، بل إن استطعت أن تجلس أمام نافذة أو باب يدخل منه الضوء فافعل.

 

8- اتخذ مذكرة، وراقب من خلال الكتابة عليها حالتك المزاجية، دوِّن عليها أهم الأمور التي انتبهت أنها تزيد من اكتئابك لتتَّقيها، وكذلك دوِّن عليها الأمور التي تحبُّها في نفسك والحياة من حولك لتستعين بها.

 

9- حاول تبسيط الحياة وإعادة تقييمها من جديد، واقبلها على ما فيها من نقص وتضادّ، وحاول أن تقفز إلى المرحلة الثانية بعد الاكتئاب وهي القبول بالمشكلة، ومحاولة النسيان وتجاوز العقبة، والعودة إلى الانخراط في الحياة.

 

10- تذكر أن (المعرفة - والصبر - والانضباط - والفكاهة) مفردات ضرورية لمعالجة الاكتئاب أياً كان حجمه.

 

بعد هذه الخطوات العشر إن لم تجد نتيجة -ولا أظن ذلك غالباً- فاستشر طبيباً، لكن تذكَّر قبل ذلك أن حالة الاكتئاب لا تنتهي بشكل كامل من الحياة، لكنها مع هذه الخطوات ستكون جزءاً من الحياة يمكن التعايش معه والسيطرة عليه.

 

ختاماً.. تمسك بسعادتك، واعمل على تقليل هامش الاكتئاب في حياتك، وحاول -ما استطعت- دعم مادتك الروحية وتحسين علاقتك مع الله، فهذا نواة العلاج.